لاحظت ويلاحظ غيري كثرة طلب العون والمساعدة سواءً من خلال وسائل التواصل الإجتماعي أوبشكل مباشر بحجج مختلفة منها للعلاج من المرض ومنها لقضاء الدين وفك إيقاف الخدمات ومنها لشراء بيت أوسيارة أوللإنفاق على الأهل والعيال فالزوجات ثلاث والعيال ثلاثين والمصيبة كبيرة فمن كبّرها أنت أوغيرك ، وغير ذلك من الدعاوى ومع أنه لايعلم أحوال الناس إلا رب الناس إلا إن كثرتها وكونها أصبحت ظاهرة تجلب الشك بان هناك من يستغل طيبة الناس وعطفهم فيدخل هذا المدخل للتكسب وزيادة الرصيد لضعف في نفسه وهشاشة في إيمانه وقلة في خوفه من الذي يعلم السر ولا تخفى عليه خافية ، ولكن هل المال المكتسب بالسؤال حلال؟ وهل على السائل المتكسب عقوبة موعود بها؟ وهل سيرى في وجه السائل نظارة وطلاقة بعد امتهانه للمسألة؟وهل سيذكر بغير مسألته؟ وهل يحس أويشعر بذل مد يده عندالمسألة؟ كل هذه التسأولات سوف نوليها بحثاً بإذن الله تعالى في ثنايا هذا المقال .
فلا اختلاف بأن التعفف عن سؤال الناس وتحاشي ذل السؤال والترفع عن استجداء الآخرين وعلو الهمة حتى مع الحاجه منقبة عظيمة يعلو بها الإنسان وتسمو بها روحه ويحصل له الموعود (ومن يستغني يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله)( ومن زهد بمافي ايدي الناس احبه الناس) (واليد العليا خير من اليد السفلى) واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي السائلة والاخذة ومسألة الناس لاتحل الا للحاجة الملحة القاسية مع عجز مشهود عن العمل والتكسب فمثل هذا ربما يعذر وقد جاء في حديث ابن عمررضي الله عنه(لايزال الرجل يسأل الناس أموالهم حتى يأتي يوم القيامة ليس بوجهه مزعة لحم) متفق عليه فاي شيء أشر من هذا يوم القيامة والعياذ بالله علاوة على نظرة الناس الدونية له في الدنيا ، ومعلوم بأن للمال لذة ولسهولة الحصول عليه رغبة جامحة مع اختلاف الناس في ذلك فمنهم من لديه شغف ونهم منقطع النظير وحرص شديد للحصول على المال يجعله لايسأل نفسه من اين اتاه المال فكل ماوقع بين يديه يعتبره حلال زلال حتى ولوكان عن طريق السؤال او طرق أخرى محرمة بنصوص صريحة بالشريعة الاسلامية كالربا واكل اموال اليتاما واموال الناس المعصومة والاموال القذرة من البغاء والخمور اجارنا الله واياكم من كل مال ٍ خبيث .
وصنف آخر المال عنده مرغوب ولكن بدون حرص ونهم وشغف ولايقبل منه إلا الذي يعرف مصدره وحله ويتحرز عن أي شبهة ينبت عليها جسده وجسد من يعول ويعلم بما جاء في الحديث ( ايما جسم نبت من سحت فالنار أولى به) والسحت أكل الأموال المعصومة والمحرمة كالربا واكل اموال الناس بالباطل وغيرها ممايكون مصدره غير مشروع اواصله حرام اومال يتيم اومالاً مغصوباً اومسروقاً اونحو ذلك .
ولاشك بأن التعفف وعزة النفس ومجاهدتها وأطرها على الحق والحلال هو الحصن الحصين من الحرام قال الله تعالى ((للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الارض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسئلون الناس إلحافاً وماتنفقوا من خير فإن الله به عليم))
هؤلاء وهم فقراء قد بان على وجوههم علامات الحاجه وسيما الفقر لايسألون الناس
ولايلحون تعففاً وعزة نفس وايماناً بما عند الله تعالى جزاء صبرهم وتعففهم عن المسألة التي يرون انها تحط من شأنهم وتضع من قدرهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم كمافي حديث سمره بن جندب ( ان المسألة كد يكد بها الرجل وجهه الا ان يسأل الرجل سلطاناً أوأمراً لابد منه) وفي حديث ابي هريره رضي الله عنه (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل منه اويستكثر )رواه مسلم
ويقول العلماء ان في كتب الصحاح والسنن بضعة عشر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرم سؤال الناس اموالهم الا في الضرورة القصوى (غرم مفظع اودم موجع اوفقر مدقع) فالمسألة لاشك تذهب المهابة ونور الوجه ومنقصة للرجولة وقد شدد في تحريمها كثير من العلماء وظاهرمذهب الإمام أحمد لو ان رجلاً جائعاً وجد ميتة فلم يأكل منها فمات جوعاً مات عاصياً ولو انه مات جوعاً ولم يسأل الناس لم يمت عاصياً لعظم المسألة لما فيها من ذل السؤال وذل مد اليد وذل الرد وذل المنع .
فارجو الا يؤخذ هذا الكلام على أنه منع وتجريم وإنما هو نصح وإرشاد وتوجيه وبعد هذا فالسائل حر بنفسه سأل او تعفف والمسؤل حر بماله اعطى او منع .
مهما كنت معدما وقليل المال والحيله فربك الرزاق وبيده رزقك فقط عليك ان تسعى بما احل الله لك بالعمل وليس بالسؤال وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مامعناه(لو أخذت حبلك فاحتطبت وبعته في السوق واشتريت بثمنه تمراً واقطاً خيراً لك من سؤال الناس اعطوك او منعوك)
وبالتجارة تسعة اعشار الرزق والتجارة تبدأ بريالات معدودة ولايلتفت احد لقول المثبطين
الذين يهولون الموضوع ويحرمون الناس السعي لكسب اقواتهم وارزاقهم بمثل قولهم التجاره تحتاج ملايين والزمن تغير ماحولك شيء خسران خسران ومن هذا الكلام الذي يكبح الأرزاق ويثبط الناس .
والقصص كثيرة بنجاح المتكسب بالتجارة حتى لو لايجد الا ملاليم ولنا في قصة الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عبرة واسوة كما جاء في حديث انس رضي الله عنه قال آخا النبي صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري فعرض سعد على عبد الرحمن نصف ماله وان يختار إحدى زوجتيه فيطلقها له ويتزوجها فقال عبد الرحمن بارك الله لك في مالك وأهلك دلني على السوق فبدأ بالتجارة وليس معه شيء فأصبح من أثرياء المدينة الكبار وقد كان له في ثروته من أعمال الخير مالايحصى وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حصلت مجاعة رهيبة في المدينة واتفق ان وصلت قافلة تجارية تتكون من سبعمائة بعير من الشام محملة بأنواع الطعام والأرزاق يملكها عبد الرحمن بن عوف فعرضت للبيع وأخذ التجاربعرض اسعارهم وعبد الرحمن يرفض البيع ويقول هناك من يدفع اكثرحتى ارتفع سعرها الي حد ٍ لايطيقه جياع المدينة وتقول ام المؤمنين عائشه رضي الله عنها فقلت ماذا حل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهممت ان آلف علي ثيابي فاخرج الي عبد الرحمن بن عوف فأخاصمه والحمدلله اني لم اخرج حتى سمعته يقول الله دفع لي اكثر هي جميعها لأهل المدينة توزع عليهم بلا ثمن فلم يبقى من اهل المدينة احد الا سد جوعه من تجارة ابن عوف مع ربه سبحانه .
وقصةاخرى في وقتنا الحاضر تعطي الأمل لكل محتاج بشرط السعي والتوكل جاء شاب إلى احد المؤسسات الحكومية يطلب وظيفة وقابل مدير التوظيف فقال له لايوجد عندنا وظايف في الوقت الحاضر فألح عليه وشكا له الحال فقال له المدير اذهب الى سوق الخضار واشتغل به حتى توجد عندنا وظايف فقال ليس معي نقود فأعطاه المدير خمسمائة ريال فذهب الى السوق واشتغل بهذه النقود وبعد عدة أشهر ذهب هذا المدير الى السوق فوجد الشاب يشتغل بالخضار وعرض عليه الوظيفه فرفض الشاب الوظيفه وتشكر للمدير على النصيحة والمساعده والقصة معروفه وصاحبها معروف وفي ارض الواقع الذي نحن فيه .
فايارعاكم الله تعال اي هذه الامثلة الواقعية والصحيحه واي تكفف الناس وسؤالهم اعطوا او منعوا .
اللهم ياكافل الأرزاق لخلقك أعط كل محتاج حاجته وكل سائل مسألته واغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عن من سواك لا إله إلا أنت سبحانك والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه/بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٣/١١/١٧ للهجره