جبرالعثرات الكاتب الشعباني
((جبر العثرات))
هل يوجد بين الناس من لم يمر بأزمة اويقع في مشكله اوتنتابه حاجه او يمر عليه ظرف صعب لايستطيع الفكاك منه الا بجهد جهيد او بمساعده احد؟ لا أعتقد فالحياة مليئة بالصعاب والمتاعب والعثرات المؤثره ، ويتفاوت الناس الذين يتعرضون لمثل ماذكرت من حيث شدة الازمه وحدتها ومن حيث قوة الشكيمه وصلابة المقاومه والصبر ومحاولة الخروج منها بشتى الوسائل الذاتية الممكنه ، دون اللجوء للاخرين اوطلب الفزعة أو المساعد والاعتماد على الله تعالى ثم على النفس مؤمناً ومؤقناً بقول الله تعالى (فإن مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا) الايه
يعمل ويجتهد ينتظر الفرج والتوفيق دون تشاؤم او قنوط وربما أجتهد بالا يعلم احد بما يمر به وما يعانيه تعففاً وعزت نفس او خوفاً من الشماته من قريب اوبعيد
قال الله تعالى (يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس الحافا) الايه
وهؤلاء كرام النفوس عزيزي المقام الصابرين في الباساء والضراء وفي المقابل هناك من وبتوفيق من الله تعالى يقيل عثرات الكرام ويتطقس حاجاتهم وازماتهم ويعمل مافي وسعه لحلها دون أن يشعروا بذلك حفظاً لكرامتهم وعزة نفوسهم ووقوفاً عند حدود رغبتهم بعدم كشف اسرارهم وسبر اغوارهم وكشف أحوالهم وجعل سيرتهم على ألسنة الاخرين .
وفي السالف من الأزمان هناك من أطلق على نفسه جابر عثرات الكرام يفك ازماتهم ويقضي حاجاتهم سراً دون أن يعرفوه حتى لايشعرهم بالحرج وقد اخفوا ازماتهم ولم يطلعوا عليها ، وقصة جابر عثرات الكرام كما جاء في الأدب القصصي قصة مؤثره حدثت فيها ملابسات
أنكشف فيها معدن الكريم وظهرت فيها عزت نفس صاحب الحاجة المتعفف وكريم خصاله .
والقصة كما تروى حدثت في عهد الخليفه الأموي سليمان بن عبد الملك حيث كان من ولاته والي الجزيره رجل يطلق عليه اسم عكرمة الفياض لجوده وكرمه واحسانه الي الناس وكان في منطقة الجزيره رجل كريم من بني أسد يقال له خزيمه بن بشر مشهور بإعطياته ومساعداته لقرابته وغيرهم من اهل الحاجه وحدثت له ازمه وقل مافي يده وهانت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بمارحبت فاحتبس في داره عن أعين الشامتين ولما افتقده الوالي عكرمة الفياض سأل عنه فاخبروه عن حالته وما وصل اليه وضعه فأخذ أربعة آلاف دينار وركب فرسه وذهب ليلاً الي خزيمه بن بشرفي داره وطرق عليه الباب فلما فتح الباب أعطاه كيس المال فأبى ان يأخذه حتى يخبره بإسمه فلما ألح عليه قال انا جابر عثرات الكرام وانطلق رجعاً الي داره وقد تأخر على زوجته على غير العاده فلما دخل على زوجته سألته عن سبب تأخره وألحت عليه فاخبرها القصه وحذرها من إفشاء سره .
وأما خزيمه فقد سدد ديونه وصلح حاله فذهب لمقابلة الخليفه وسأله الخليفه عن اسباب غيبته الطويله فقص عليه خبره فقال الخليفه ومن هذا جابر عثرات الكرام فقال لااعرفه ثم إن الخليفه اعفى عكرمة الفياض من الولايه وولى خزيمه بن بشر بدلاً منه فوجد خزيمه عجز مالي في أموال الولايه فقبض على عكرمة وكبله بالحديد وحبسه فلما علمت زوجة عكرمه ذهبت ودخلت على خزيمه فقالت له هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام فلما سمع ماتقول كاد يجن وقال واسوأتاه اهو هو قالت نعم فاسرع وفك قيوده وأخرجه من الحبس وذهب به إلى الخليفه فقال اتيتك بجابر عثرات الكرام فأكرمه وعينه والياً للجزيره واذربيجان وارمينيا ، فأي الرجلين أكرم عكرمة الفياض اوخزيمه بن بشر؟ هؤلاء وأمثالهم هم العون بعد الله تعالى لكل ملهوف أعيته الحيله عن ادارك حاجته التي لايصلح حاله الا بإدراكها .
وهذه القصه من اجمل وانبل ماذكر من قصص الجود والكرم والاحسان وحفظ حق اليد النديه ورد الجميل
بمثله او احسن منه .
وزماننا هذا كغيره تكثر فيه العثرات للكرام وللنكرات
وتسوء فيه الحالات مع شح الاعطيات وذهابها لمن لايستحقها بوجود من يدعي انه كثير الآفات وإن حاجته ستؤدي به الهلاك والممات وهو كاذب دعي ينمي رصيده من الهبات والصدقات والزكاة يأكل الحرام ولايطعم الطعام والناس تصلي وهو مع النيام ورغم كثرة ماله فقره بين عينيه كأنه لاشيء لديه ، سأئل مكلوم وغني محروم ، وفي المقابل هناك المتعففين الذين لايسألون الناس إلحافا ولكن يعرفهم أهل الخير بسيماهم فللفقر والمسكنه وسم لايخفى على صاحب اليد النديه والنفس الزكيه ويعرفها بالتلميح دون التصريح فبالتلميح تمليح وفي التصريح تجريح وللمحسن مندوحة عن هذا ليتم له الإحسان ويرقى إلى قول المولى عز وجل(وما لأحد عنده من نعمة تجزا الا ابتغاء وجه ربه الأعلى) الايه .
ومن المسلّم به بأنه لايخلو زمان من جابر للعثرات ومغيث للهفات وماسح للعبرات ومفرج للكربات ولكن لايتأتى هذا إلا بسعي ٍ دؤوب للبحث والتحري عن المكروب والمنكوب والغارم المغلوب والعايل المسلوب .
فهل بحث أهل الثراء عما ينمي المال ويزيده حسياً ومعنوياً يزيد المال ويسعد الحال ويطيّب الخصال غير التجارة وارباحها قال النبي صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده او كما قال عليه الصلاة والسلام .
ولاشك بأن أهل الإحسان والجود كثير ولكن نقيضهم أكثر في زمن طغت فيه الماديات والسباق الحثيث على تضخيم الأموال والارصده دون المساس بها بالانفاق حتى الإنفاق المفروض شرعاً لايؤدى والعياذ بالله ومن هنا حدث التباين بين الناس من غنى فاق الي فقر لايطاق ، مع إيماننا بأن الله تعالى هو مقسم الارزاق بين عباده فمنهم غني ومنهم فقير وهناك من هو بين هذا وذاك قال الله تعالى (ولوبسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر مايشاء انه بعباده خبير بصير)
ولكنه سبحانه وتعالى فرض على الأموال الزكاة التي تؤخذ من الاغنياء وترد على الفقراء وكذلك حث الدين الإسلامي الحنيف على الصدقات والهبات والاعطيات والاعانات والصلات وجعل الله تعالى فيها من الأجر العظيم الذي لايوفق له إلا موفق ومسدد وفي الحديث ممارواى ابوهريره رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامه والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه اوكما قال صلى الله عليه وسلم .
والله أعلى واعلم .
كتبه /بقيش سليمان الشعباني
الخرج١٤٤٣/٦/٣للهجره