((مواقف طريفة ))
الكتابه لابد مايتخللها مواقف طريفه وطرائف خفيفه لابعاد الملل عن القاريء ولاستعادة نشاطه الجسدي والذهني وتجديد الرغبة بالقراءة والاطلاع ، فمن الانهماك في الموضوع مدار البحث إلى موقف طريف او طرفة لطيفه متعمده ولها صلة بالموضوع ومن ثم الاستمرار برغبة متجدده في القراءة والاطلاع ، وتزخر كثير من الكتب والمؤلفات بمثل ذلك وسنذكر طرفة من هذه الطرائف والمواقف التي لاتخلو من فائده للقاريء
ففي كتاب تاريخ الاسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن هذه القصة والمواقف الطريفه التي تخللتها :
تزوج اول خلفاء الدولة العباسيه عبد الله بن محمد السفاح أم سلمه وقد تزوجت من قبله من عبدالله بن الوليد المخزومي فمات عنها ثم تزوجت من عبدالعزيز بن الوليد الأموي فمات عنها وحدث ان مر بها السفاح وكان رجلاً جميلاً وسيماً وعلمت ان هذا هو السفاح العباسي وذلك قبل أن يتولى الخلافه فارسلت خادمتها لتعرض عليه الزواج منها وأعطت الخادمه سبعمائة دينار لتهبها له .
وكانت ام سلمه ثرية وتملك اموالاً كثيره وحشم وخدم وجواهر ، وذهبت اليه المولاه وعرضت عليه الزواج من مولاتها ام سلمه فقال السفاح إنما أنا مملق يعني فقير لامال عنده فأعطته المال الذي معها ، وذهب الي أخيها وطلب يدها فزوجه اياها فاصدقها خمسمائة دينار وأهدى من زفها اليه باقي المبلغ الذي أعطته الخادمه ، وحظيت عنده بمكانة عاليه حتى أنه لايقطع أمراً الا بمشورتها حتى تولى الخلافه .
وفي جلسة من جلساته كان عنده خالد بن صفوان وكانا وحدهما فقال يا أمير المؤمنين أمرك عجيب على مكانتك خليفة للمسلمين وسعة ملكك ، ملكت امرك امرأة واحده إن مرضت مرضت وإن غابت غبت وحرمت نفسك التلذذ بإستظراف الجواري ومعرفة اشكالهن واخبارهن والتمتع بما تشتهي منهن ، فإن منهن الطويلة الغيداء وإن منهن البضة البيضاء والدقيقة السمراء والبربرية العجزاء من مولدات المدينه تفتنك بمحادثتها
واستطرد خالد بإجادة الوصف وحلاوة اللفظ فلما فرغ قال الخليفه ويحك ياخالد ماصك مسامعي والله كلام احسن مما سمعته منك فأعد على الكلام فقد وقع مني موقعاً فأعاد عليه خالداحسن من كلامه الأول ثم انصرف
وبقي الخليفه مفكراً فيما سمع فدخلت عليه زوجته ام سلمه فرأته مفكراً مهموماً مغموماً فقالت مالك يا أمير المؤمنين فهل حدث امر تكرهه اوخبر ارتعت منه قال لا قالت اذاً ماقصتك فأخذ يحاول يتخلص من سؤالها فألحت عليه فاخبرها بكلام خالد فقالت فما قلت لابن الفاعله قال سبحان الله ينصحني وتشتمينه وخرجت من عنده مغضبه وأرسلت إلى خالد مجموعة من البلطجيه وقالت لاتتركوا منه عضواً سليماً، قال خالد وكنت جالساً على باب منزلي مسروراً بسرور الخليفه بما قلت له من النصح وكنت لاشك عندي بأن هديتي من الخليفه ستأتيني إلى باب منزلي فلما رايت الرجال مقبلين الي أيقنت بأنهم يحملون الهدية والصله فلما وصلوا سألوني عن خالد فقلت انا هو فأهوا علي أحدهم بهراوة معه فتلافيتها فدخلت المنزل واغلقت الباب علي ولم يتمكنوا مني فرجعوا وبقيت بالمنزل لا اغادره أياماً على هذه الحال وايقنت ان من ارسلهم هي أم سلمه .
ثم طلبني الخليفه طلباً شديداً فلم أشعر الا وقوم هجموا على وقالوا اجب أمير المؤمنين فأيقنت بالموت وخرجت وليس لي لحم ولادم ، قال فلما وصلت دار الخليفه أوما لي بالجلوس ونظرت فإذا خلفي باب عليه ستاره وخلفه حركه فقال ياخالد لم أرك منذ ثلاث قلت كنت عليلاً يا أمير المؤمنين قال ويحك ياخالد لقد وصفت لي في آخر دخله لك وصفاً عن الجواري والنساء لم يخرق مسامعي مثله أبداً فاعده علي قلت نعم ياأمير المؤمنين أعلمتك ان العرب اشتقت اسم الضره من الضرر وإن من يتزوج بأكثر من واحده يكون في جهد قال ويحك ماهذا كلامك
قلت بلا واخبرتك ان الثلاث من النساء كأنهن القدر يغلي عليك قال الخليفه برئت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كنت سمعت هذا الكلام في حديثك
قلت واخبرتك ان الاربع من النساء شرعلى صاحبهن يشيبنه ويهرمنه ويسقمنه قال ويلك ماسمعت هذا منك ولامن غيرك وتكذبني ياخالد قلت وتريد قتلي يا أمير المؤمنين قال اكمل حديثك قلت واخبرتك ان ابكار الجواري رجال ولكن لا خصى لهن فسمعت الضحك من وراء الستاره قلت نعم وكانت زوجة الخليفه مخزوميه قرشيه قلت واخبرتك أيضاً ان بني مخزوم ريحانة قريش وانت عندك ريحانه من الرياحين وتطمح نفسك إلى حرائر النساء والاماء وهي عندك فقيل لي من وراء الستاره صدقت والله ياعماه وبررت ، وبهذا حدثتك ياأمير المؤمنين ولكنك غيّرت وبدلت فقال أمير المؤمنين مالك ياخالد قاتلك الله واخزاك وفعل بك وفعل فتركته وخرجت وقد أيقنت بالحياه بعدقرب الموت وانقذت نفسي من شر مستطير .
فما شعرت الا برسل ام سلمه وقد ساروا الي ومعهم عشرة آلاف درهم وتخت وبرذون وخادم انتهت القصه.
ومن وجهة نظري ان في هذه القصه فوائد جمه مما جعلني اوردها من هذه الفوايد الترويح عن النفس وربما يمني القاري نفسه بزوجة جميلة ثريه ، ومنها الاستفادة من بلاغة العرب وحسن السؤال وجودة الاجابه واجادة الانصات ومنها الحذر من تحدي النساء فهن عمالقة الكيد وربات الانتقام عند الغضب ، وعند الرضى ايديهن سحاء في الاعطيات والهبات والجوائز ومنها ان جمال المرأه وثراءها يجعل لها مقام ومكانه عند بعض الرجال ومن الفوايد أن اسداء النصيحه دون النظر في تبعاتها فيه ضرر للناصح والمنصوح ومنها لاتبدي سرك على امرأه ومن الفوايد ان التعدد له شروط لابد من توفرها فيمن أراد التعدد والا سيتعب ويتعب وبدلاً من بحثه عن السعاده يجد ضدها ومن الفوايد أن الذكاء والفطنه تنقذ من بعض المواقف المحرجه ومن الفوايد ان من كان في موقف يتنازعه اثنان فلينظر أيهما أشد ضرراً فيحابيه لينقذ نفسه أن كان هناك خطراً محدقً به فالضروره لها أحكام وياروح مابعدك روح كما فعل خالد بن صفوان بطل القصه .
والله اعلم .
كتبه /بقيش سليمان الشعباني
الخرج١٤٤٣/٦/١٠للهجرة