(( سمعت ورأيت عجباً))
في حياتنا اليوميه نسمع كثيراً ونرى كثيراً مما يحدث على أرض الله الرحبة الواسعه وبين مخلوقات الله الكثيرة المتعددة الأجناس والاطياف والمختلفة في الإدراك والطباع والاحساس والعقول ، ومن المسلّم به انه لن يحيط احد بما يحدث على هذه البسيطه وبين المخلوقات الا الخالق سبحانه وتعالى الذى يسمع دبيب النملة السوداء على الصفاة الصماء في الليلة الظلماء كيف لا وهو خالق الأرض والسماء ومافيهما وما بينهما من ناطقة وعجماء وسمينة وعجفاء وقرناء وجلحاء وسليمة وعرجاء وانسان وحيوان ونبات وجماد وكلها تسبح بحمد ربها ولكن لا نفقه تسبيحها، وينفرد الإنسان بميزة العقل والتمييز والادراك والمنطق المعلوم والمفهوم ، ويشترك معه الحيوان بالاحساس والتراحم والتعاطف وما نحن بصدده في هذا المقام والمقال هومما اختص الله تعالى به جنس الإنسان دون غيره من المخلوقات الا وهو البر بالوالدين وصلة الرحم للاقربين جبل عليها الإنسان، وحض عليها الاسلام وأكدها وجعلها من أعظم الأعمال التي يتعبد بها المسلم قال الله تعالى (وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بر الوالدين من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم اي العمل احب الى الله تعالى قال الصلاة على وقتها قلت ثم اي قال بر الوالدين قلت ثم اي قال الجهاد في سبيل الله متفق عليه .
فالله سبحانه وتعالى قرن بر الوالدين بعبادته والنبي صلى الله عليه وسلم جعله عملاَ وقرنه بالصلاة وقدمه على الجهاد في سبيل الله .
والناس منذ خلق آدم عليه السلام حتى عصرنا هذا يختلفون في هذا العمل والخلق فمن غال ٍ الي جاف ٍ وبينهما ماشاء الله من مستويات متفاوته في بر الوالدين والاحسان اليهما ، والمسلمون لهم حظوظ كبيرة في هذا تلبية لامر الله تعالى به ولما حض عليه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ورغب به .
وهم كغيرهم يتفاوتون في هذا الخلق والعمل العظيم
فمما سمعت في هذا الباب قصة الثلاثة الذين آووا الي الغار فانطبقت عليهم صخرة فاغلقت الغار فلم يجدوا الي الخروج سبيلا فاتفقوا على أن يلجأون الى الله تعالى بالدعاء بأرجى أعمالهم لعل الله يفرّج عنهم إلى أن قال أحدهم اللهم انه كان لي ابوان شيخان كبيران وصبية صغار وكنت لا اغبق قبل ابوي أحداً وفي يوم من الايام نأء بي طلب الشجر لإبلي فلم ارجع الا وقد نام ابوي فحلبت غبوقهما وجلست عند رأسيهما والصبية يتضاغون من الجوع فكرهت ان اغبقهم قبل والدي ولم استطع قطع نومة والديّ حتى طلع الفجر اللهم ان كنت عملت هذا ابتغاء وجهك الكريم ففرّج عنا مانحن فيه ففرّج الله عنهم بدعواتهم بقصصهم ومنها هذه القصه العجيبة في بر الوالدين وعدم إيثار احد عليهما مهما كان وأياً كان حتى الأبناء الصغار الذين يتضورون جوعاً وذلك حرصاً على المداومه على هذا العمل الصالح النادر العجيب .
وقد رأيت قبل سنوات في مجلس ما رجل قد شاخ وولده الكبير قريب منه فطلب ماءً ليشرب فسقاه الماء بيده فلما فرغ مسح الماء عن فم ابيه بعمامته هو وليس بعمامة ابيه .
ولقد تكرر مشهد أمامي قريباً من السابق قبل أيام قلائل حيث حضرت حفلاً فدخل رجل مسن يتوكأ على عصاه مع ثقل في ممشاه ويرافقه رجل في متوسط العمر ذو لحية طويله ازدان بها وجهه المشرق الوضاء يمشي مرة خلف الشيخ المسن ومرة عن يمينه ومرة عن شماله وكأنه خائف عليه من التعثر حتى اجلسه في المكان المعد له ولم يفارقه طوال الحفل يعدل جلسته ويرتب عمامته ويفتح له قنينة الماء وياتي له بكل مايراه من طعام وشراب ولم يجلس أبداً ولم يبتعد عنه علمت انه ابنه وإن هذا الابن ضابط برتبة عاليه بارك الله به وله وكتب أجره وأجر صاحب القصة الذي قبله .
هذه نماذج من قصص البر قديماً وحديثاً فلعل فيها عبرة وعضه وصحوة لمن غفل عن والديه بماله واعماله وعياله فالوالدين بحاجة ملحّه مع كبر السن ووهن العظم للفتة حانيه وبر صادق حتى وان كانا ميسوري الحال مادياً فالمال لايغني عن العيال ، ولكن وكما سمعنا وراينا نماذج غاية بالاعجاب ، نسمع ونرى نماذج أخرى غاية بالغرابه لا اقول عقوق ربما أصفهابوصف ألطف مثل صدود وتهاون وتستاهل وانشغال وجهل وبلاده وكلها في نظري مسبة ومعيبه تفقد صاحبها المهابة والاحترام ، والله المستعان
بقلم /بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٣/٦/١٩للهجره