التوسط والاعتدال في كل أحوال وامور الإنسان منقبه وصفة محموده والتطرف والشطوح منقصه وصفة مذمومه فلا غلو ولاجفاء ولا إفراط ولاتفريط ولا غلول ولابسط ولا إسراف ولابخل ولاتبذير ولاتقتير ولاشح ولاانفاق برياء والقائمه تطول بين المتضادات في حياة البشر وممايؤثر فيها ويؤطرها المعتقدات والبيئه ومستوى الحياه من الجدة والفقر والوصل والترابط والعطف والتراحم بين مكونات المجتمع الواحد وليس الامر على اطلاقه فلكل قاعدة شواذ ولا حكم للخارج عن المألوف او المفارق لما عليه غالبية مجتمعه مع الاخذ بالاعتبار ما اوجده الله تعالى بنفوس البشر من حب الذات وما يتبعه من حب التملك للمال والتمنّع في انفاقه الا من رحم الله وتغلّب على نفسه وهواها وماجبلت عليه من الشح قال الله تعالى(( واحضرت الأنفس الشح)) وقال تعالى (( اشحة عليكم))وقال سبحانه((اشحة على الخير))وقال جل جلاله ((ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)) وقال تعالى(( وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) وقال جلّ وعلا((ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه)) الآيات
والشح والبخل صنوان ويقال البخل ثمرة الشح فالشح الإلحاح في طلب الشيء والاستماته في تحصيله بكل ما أمكن من الوسايل المشروعة وغير المشروعه وأما البخل فهو الامتناع عن انفاقه بعد الحصول عليه في مجالات الإنفاق الواجبه والمستحبه على حد ٍ سواء ومن التعريفات اللطيفه للشح قول النووي الشح هو البخل بأداء الحقوق والحرص على امتلاك ماليس له ، وقال الاصفهاني الشح بخل مع حرص ، وقال الطبري الشح هو الافراط في الحرص للحصول على الشيءقال الله تعالى((ولايحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله فضله هو خيراً لهم بل هوشر لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامه))وقال تعالى((الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ماآتهم الله من فضله))
وليس البخل محصور في البخل بالمال وهو الاشهر والاظهر والمتعارف عليه ومايتبادر إلى الذهن عند الناس ولكن الحقيقه غير ذلك فالبخل يشمل البخل بالمال والعلم والجاه والكلمة الطيبه والأخلاق الحسنه والابتسامه والسلام ورده والتعامل مع الناس و يعم كل بخل بماينفع الناس بالدين والدنيا كما تأول ذلك ابن تيميه رحمه الله تعالى ومن الملفت والذي لاينتبه له كثير من الناس اقتران الجبن والبخل وفي الغالب الجبان بخيل والبخيل جبان فالجبن منع الانتفاع بالبدن والبخل منع الانتفاع بالمال فكلاهما معدوم النفع قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن البخل والجبن ومن ضلع الدين وقهر الرجال)
وفي الحديث(إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامه واتقوا الشح فإن الشح اهلك من كان قبلكم حملهم على ان سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) قال النووي يحتمل ان الهلاك المعني بالدنيا كسفك دمائهم ويحتمل انه الهلاك بالاخره وهو الأقرب .
وهناك من يصنف البخل بأربعة أصناف فقط صنفان ماديان وصنفان معنويان فالماديان البخل بالمال والماء ، والمعنويان البخل بالسلام والبخل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اذا ذكر عنده ، ومن بخل بهذه الأصناف فلاجدال انه بماهو اكبر منها ابخل واشح
كما أن البخل والشح لايلتقيان مع السخاء والكرم ولا مع الرجولةوالشجاعه ولا مع الطيبة والوصل فلا يرافق الشح اي خلق حسن في نفس ٍ واحده فالبخيل الشحيح هدفه وديدنه تحصيل المال وتجميعه وتخزينه بأي طريقه ومن ثم الأحجام عن صرفه حتى عند الضروره الا مع التحسر والحزن ولوم النفس بالتفريط بالمال المكنوز .
وعكسه السخي الكريم ياتيه المال ويذهب في حينه في مصارفه الضروريه وغير الضروريه وبنفس ٍ طيبه تسعد وترتاح بفعلها الجميل .
ولاشك بأن أشد الشح هو البخل بحق الله تعالى الواجب والمستحب كالزكاة والصدقه والنفقه ونشر العلم والتخلق بالاخلاق الحميده والود والوصل وغيرها ثم الامتناع عن تأدية حقوق الآخرين واستحلال مالايحل له بحجج واهيه يصنعها لنفسه ويصدقها فيأخذ ماهو لغيره من الناس بالباطل .
وقصص الشح والبخل كثيرة سواءٍ القديم منها والجديد ومنها المضحك ومنها المؤلم والقديم منها اقرب الي الأساطير والجديد كذلك الا ان هناك قصص واقعيه وكمثال فقط للعبره ما قصه علي أحد الرجال قبل سنوات يقول أعلن عن بيع اراضي في مخطط بين الرياض والخرج فذهبت لاشتري ولكنني لم أستطع لعدم كفاية ماأملكه لشراء قطعة واحده فجلست انظر في أحوال من يشترون ويبيعون بنفس الوقت بارباح مرتفعه ثم اني رأيت رجلاً قد جاء من الرياض على ونيت داتسون قديم مهتريء اذا اطفي محركه لايكاد يشتغل والرجل يرتدي ثوباً ليس تحته ملابس داخليه ويكاد يتمزق ويتكسر من على ظهره يابساً من آثار العرق وينتعل شبشباً مما يستعمل لدورات المياه فظننته فقيرا معدما فعزمت على ان اعطيه صدقه من نقودي التي لم تكمل قيمة الأرض الا انني لاحظت استقبالاً حارا له من أصحاب المخطط ومن الحضور وقد عرضوا عليه ٢٠٠٠٠٠ميئتي الف ريال ربحاً في قطعة كان قد اشتراها بالأمس فرفض بحجة ان هذا المبلغ زهيد لايسوى عنوته من بيته إلى موقع المخطط يقول فأندهشت منه فسألت عنه فقالوا هذا فلان الفلاني رجل الأعمال والعقارات الكبير وهذا من اشد البخلاء بخلاً وشحيح بدرجة مؤلمه وقد بخل على نفسه بسيارة وهندام مناسب يستره ويخفي شيئاً من شحه وبخله وهذا مجرد مثالاً مما استحضرته من القصص الكثيرة والمثيره التي لايتسع المجال لذكرها .
فهل هناك أشد إيلاماً من الشح على النفس والأهل والعيال مع وجود المال ووفرته
كذلك هل هناك ألذ واحلا من قضاء حوائج المحتاجين مع الاستطاعة طبعاً وبعد قضاء حوائج نفسك ومن تعول اولاً .
ومن وفقه الله تعالى للبذل والانفاق فيما احل الله فقد وفق إلى خير كثير موعود به في الدنيا والاخره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الله في عون العبد ماكان العبد في عون اخيه) وقال عليه الصلاة والسلام (مانقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده ) وقال عليه السلام(أنفق ياابن ادم أنفق عليك) وقال عليه السلام(المرء بظل صدقته يوم القيامه) وقال عليه السلام (الصدقة تطفيء الخطيئه كما يطفي الماء النار) وقال عليه السلام ( من انظر معسراً فله في كل يوم صدقه ومن انظره بعد حله فله في كل يوم صدقه) اوكما قال صلى الله عليه وسلم والأحاديث في هذا الباب اكثر من ان تحصى وهي مبشرة ومفرحه لمن وفقه الله تعالى جعلني الله واياكم ومن يقرأ ومن نحب ممن يوفق للبذل والعطاء وينجو من الشح والبخل وآثاره المدمره .
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه /بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٣/١١/١١ للهجره